< إنجيل مرقس 6

Listen to this chapter • 6 min
[1] وٱنصَرَفَ مِن هُناكَ وجاءَ إِلى وَطَنِه يَتبَعُه تَلاميذُه.
[2] ولمَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: «مِن أَينَ له هٰذا؟ وما هٰذِه الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَدَيه؟
[3] أَلَيسَ هٰذا النَّجَّارَ ٱبنَ مَريَم، أَخا يَعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَلَيسَت أَخَواتُه عِندَنا هٰهُنا؟» وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة.
[4] فقالَ لهم يسوع: «لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِه وأَقارِبِه وبَيتِه».
[5] ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات، سِوى أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيهِ على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم.
[6] وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم. ثُمَّ سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم.
[7] ودَعا الاِثنَيْ عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ ٱثنَينِ ٱثنَيْن، وأَولاهُم سُلْطانًا على الأَرواحِ النَّجِسَة.
[8] وأَوصاهُم أَلاَّ يَأخُذوا لِلطَّريق شَيئًا سِوى عَصًا: لا خُبزًا ولا مِزوَدًا ولا نَقدًا مِن نُحاسٍ في زُنَّارِهم،
[9] بل: لِيَشُدّوا النِّعالَ على أَقدامِهم، «ولا تَلبَسوا قميصَين»،
[10] وقالَ لَهم: «وحيثُما دَخَلتُم بَيتًا، فأَقيموا فيه إِلى أَن تَرحَلوا.
[11] وإِن لم يَقبَلْكُم مَكانٌ ولَم يَستَمِعْ فيه النَّاسُ إِليكم، فارْحَلوا عنهُ نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقدامِكم شَهادَةً علَيهم».
[12] فمَضَوا يَدْعونَ النَّاسَ إِلى التَّوبَة،
[13] وطرَدوا كَثيرًا مِنَ الشَّياطين، ومَسَحوا بِالزَّيْتِ كَثيرًا مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم.
[14] وسَمِعَ المَلِكُ هِيرُودُس بِأَخبارِه، لأَنَّ ٱسمَه أَصبَحَ مَشهورًا، وكانَ أُناسٌ يقولون: «إِنَّ يوحنَّا المَعمَدانَ قامَ مِن بَينِ الأَموات، ولِذٰلك تَعمَلُ فيه القُدرَةُ على إِجراءِ المُعجِزات»
[15] وقالَ آخرون: «إِنَّه إِيليَّا». وقالَ غَيرُهم: «إِنَّه نَبِيٌّ كَسائِرِ الأَنبِياء».
[16] فلَمَّا سَمِعَ هيرودُس قال: «هٰذا يوحَنَّا الَّذي قَطَعْتُ أَنا رأسَه قد قام».
[17] ذٰلِكَ بِأَنَّ هيرودُسَ هٰذا كانَ قد أَرسَلَ إِلى يوحَنَّا مَن أَمْسَكَه وأَوثَقَه في السِّجْن، مِن أَجْلِ هيرودِيَّا ٱمرَأَةِ أَخيهِ فيلِبُّس لأَنَّه تَزَوَّجَها.
[18] فكانَ يوحَنَّا يقولُ لِهيرودُس: «لا يَحِلُّ لَكَ أَن تَأخُذَ ٱمرَأَةَ أَخيك».
[19] وكانَت هيرودِيَّا ناقِمَةً عليه تُريدُ قَتْلَه فلا تَستَطيع،
[20] لأَنَّ هيرودُسَ كانَ يَهابُ يوحَنَّا لِعِلمِه أَنَّه رَجُلٌ بارٌّ قدِّيس. وكان يَحْميهِ. وإِذا ٱستَمَعَ إِليه، وقَعَ في حَيرةٍ كَبيرة، وكانَ مع ذٰلِكَ يَسُرُّه الإِصغاءُ إِليه.
[21] وجاءَ يومٌ مُوافِقٌ إِذ أَقامَ هيرودُسُ في ذِكْرى مَولِدِه مَأدُبَةً لِلأَشرافِ والقُوَّادِ وأَعْيانِ الجَليل.
[22] فدَخَلَتِ ٱبنَةُ هيرودِيَّا هٰذه ورَقَصت، فأَعجَبَت هيرودُسَ وجُلَساءَه. فقال المَلِكُ لِلصَّبيَّة: «أُطلُبي مِنِّي ما شِئْتِ أُعطِكِ».
[23] وأَقسَمَ لَها: «لَأُعطِيَنَّكِ كُلَّ ما تَطلُبينَ مِنِّي، ولَو نِصفَ مَملَكَتي».
[24] فخَرَجَت وسأَلَت أُمَّها: «ماذا أَطلُب؟» فقالت: «رأسَ يوحَنَّا المَعمَدان».
[25] فدَخَلَت مُسرِعَةً إِلى المَلِكِ وطَلَبَت فقالَت: «أُريدُ أَن تُعطِيَني في هٰذِه السَّاعَةِ على طَبَقٍ رأسَ يوحَنَّا المَعمَدان».
[26] فٱغتَمَّ المَلِك، ولٰكِنَّه مِن أَجلِ أَيمانِه ومُراعاةً لِجُلَسائه، لم يَشأ أن يَرُدَّ طَلَبها.
[27] فأَرسَلَ المَلِكُ مِن وَقتِه حاجِبًا وَأَمَرَه بِأَن يَأتِيَ بِرَأسِه. فمَضى وقطَعَ رَأسَه في السِّجْن،
[28] وأَتى بِرأسِ يوحَنَّا على طَبَق، فأَعطاه لِلصَّبِيَّة والصَّبِيَّةُ أَعطَتْه لأُمِّها.
[29] وبَلَغَ الخَبَرُ تَلاميذَه، فجاؤوا فَحمَلوا جُثمانَه ووَضَعوه في قَبْر.
[30] وٱجتَمَعَ الرُّسُلُ عِندَ يسوع، وأَخبَروه بِجَميعِ ما عَمِلوا وعلَّموا.
[31] فقالَ لهم: «تَعالَوا أَنتم إِلى مَكانٍ قَفرٍ تَعتَزِلونَ فيه، وٱستَريحوا قَليلاً». لأَنَّ القادِمينَ والذَّاهِبينَ كانوا كَثيرينَ حَتَّى لم تَكُنْ لَهم فُرصَةٌ لِتَناوُلِ الطَّعام.
[32] فمَضَوا في السَّفينَةِ إِلى مَكانٍ قَفرٍ يَعتَزِلونَ فيه.
[33] فرآهُمُ النَّاسُ ذاهبين، وعَرَفَهُم كَثيرٌ مِنهُم، فأَسرَعوا سَيرًا على الأَقدامِ مِن جَميعِ المُدُن وسبَقوهم إِلى ذٰلك المَكان.
[34] فلَمَّا نَزَلَ إِلى البَرّ رأَى جَمعًا كثيرًا، فَأَخذَتْه الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا كَغَنَمٍ لا راعِيَ لها، وأَخَذَ يُعَلِّمُهم أَشياءَ كثيرة.
[35] وفاتَ الوَقْت، فدَنا إِلَيه تَلاميذُه وقالوا: «المَكانُ قَفْرٌ وقد فاتَ الوَقْت،
[36] فَٱصرِفْهُم لِيذهَبوا إِلى المَزارِعِ وَالقُرى المُجاوِرَة، فيَشتَروا لَهم ما يَأكُلون».
[37] فأَجابَهم: «أَعطوهُم أَنتم ما يَأكُلون». فقالوا له: «أَنَذهَبُ فنَشتَريَ خُبزًا بمائَتي دينار وَنُعطِيَهم لِيَأكُلوا؟»
[38] فقالَ لَهم: «كَم رغيفًا عِندَكُم؟ إِذهَبوا فَٱنظُرُوا». فتحقَّقوا ما عِندَهم، ثُمَّ قالوا: «خَمسَةٌ وسَمَكتان».
[39] فأَمَرهم بأَن يُقعِدوا النَّاسَ كُلَّهم فِئَةً فِئَةً على العُشبِ الأَخضَر.
[40] فقَعدوا أَفواجًا مِنها مائة ومِنها خَمْسون.
[41] فأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمكَتَين ورَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسرَ الأَرغِفَة، ثُمَّ جعَلَ يُناوِلُها التَّلاميذَ لِيُقَدِّموها لِلنَّاس، وقسَّم السَّمَكَتَيْنِ علَيهم جَميعًا.
[42] فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا.
[43] ورَفعوا ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئَةً مِنَ الكِسَرِ وفَضَلاتِ السَّمَكَتَين.
[44] وكانَ الآكِلونَ مِنَ الأَرغِفَةِ خَمسَةَ آلافِ رَجُل.
[45] وأَجبَرَ تَلاميذَه لِوَقتِه أَن يَركَبوا السَّفينة، ويَتَقَدَّموه إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل نَحوَ بَيتَ صَيدا، حتَّى يَصرِفَ الجَمْع.
[46] فلمَّا صَرَفَهم ذهَبَ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي.
[47] وعِندَ المساء، كانَتِ السَّفينَةُ في عُرْضِ البَحْر، وهو وَحدَه في البَرّ.
[48] ورآهم يَجهَدونَ في التَّجذيف، لأَنَّ الرِّيحَ كانت مُخالِفَةً لَهم، فجاءَ إِليهِم عِندَ آخِرِ اللَّيل ماشِيًا على البَحْرِ وكادَ يُجاوِزُهم.
[49] فلمَّا رَأَوهُ ماشِيًا على البَحْر، ظَنُّوه خَيَالاً فَصَرَخوا
[50] لأَنَّهم رَأَوْهُ كُلُّهم فَٱضطَربوا. فكَلَّمَهم مِن وَقْتِه قالَ لَهم: «ثِقوا. أَنا هو، لا تَخافوا».
[51] وصَعِدَ السَّفينَةَ إِلَيهم فسَكَنَتِ الرِّيح، فدَهِشوا غايةَ الدَّهَش،
[52] لأَنَّهم لم يَفهَموا ما جَرى على الأَرغِفَة، بل كانت قلوبُهم قاسِيَة.
[53] وعَبَروا حتَّى بَلَغوا أَرضَ جِنَّاسَرِت فأَرسَوا.
[54] وما إِنْ نَزَلوا مِنَ السَّفينَة حتَّى عَرَفَه النَّاس.
[55] فطافوا بتلكَ النَّاحِيَةِ كُلِّها، وجَعلوا يَحمِلونَ المَرْضى على فُرُشِهم إِلى كُلِّ مَكانٍ يَسمَعونَ أَنَّه فيه.
[56] وحَيثُما كانَ يَدخُل، سَواءٌ دَخَلَ القُرى أَوِ المُدُنَ أَوِ المَزارِع، كانوا يَضَعونَ المَرْضى في السَّاحات، ويَسأَلونَه أَن يَدَعَهم يَلمِسونَ ولَو هُدْب رِدائِه. وكانَ جَميعُ الَّذينَ يَلمِسونَه يُشفَون.