< إنجيل لوقا 8

Listen to this chapter • 7 min
[1] وسارَ بَعدَ ذٰلك في كُلِّ مَدينَةٍ وقَريَة، يُنادي ويُبَشِّرُ بِمَلٰكوتِ الله، ومعَه الِٱثْنا عَشَر،
[2] ونِسوَةٌ أُبْرِئْنَ مِنْ أَرواحٍ خَبيثَةٍ وأَمراض، وهُنَّ مَريَمُ المَعروفَةُ بِالمِجدَلِيَّة، وكانَ قد خَرَجَ مِنها سَبعَةُ شَياطين،
[3] وحَنَّةُ ٱمرَأَةُ كوزى خازِنِ هيرودُس، وسَوسَنَة، وغيرُهُنَّ كَثيراتٌ كُنَّ يُساعِدْنَهُم بِأَموالِهِنَّ.
[4] وٱحتَشَدَ جَمْعٌ كَثير، وأَقبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِن كُلِّ مَدينَة، فكَلَّمَهم بِمَثَلٍ قال:
[5] «خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزرَعَ زَرْعَه. وبَينَما هوَ يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فداسَتهُ الأَقدام، وأَكَلَته طُيورُ السَّماء.
[6] ومِنه ما وَقَعَ على الصَّخْر، فَما إِن نَبتَ حتَّى يَبِس، لأَنَّه لَم يَجِدْ رُطوبَة.
[7] ومِنهُ ما وقعَ بَينَ الشَّوْك، فنَبَتَ الشَّوكُ معَه فخَنقَه.
[8] ومِنه ما وَقَعَ على الأَرضِ الطَّيِّبَة، فنَبتَ وأَثمَرَ مائةَ ضِعْف». قالَ هٰذا وصاح: «مَن كانَ لَه أُذُنانِ تَسْمَعان فَلْيَسْمَعْ!».
[9] فَسأَلَه تَلاميذُه ما مَغْزى هٰذا المَثَل.
[10] فقالَ: «أَنتُم أُعطيتُم أَن تَعرِفوا أَسرارَ مَلٰكوتِ الله. وَأَمَّا سائرُ النَّاسِ فيُكَلَّمونَ بِالأَمثال: «لِكَي يَنظُروا فَلا يُبصِروا، ويَسمَعوا فَلا يَفهموا».
[11] «وإِلَيكُم مَغزى المَثَل: الزَّرعُ هو كَلِمةُ الله.
[12] والَّذينَ على جانِبِ الطَّريق هُمُ الَّذينَ يَسمَعون، ثُمَّ يَأتي إِبليس فيَنتَزِعُ الكَلِمَةَ مِن قُلوبِهم، لِئَلاَّ يُؤمِنوا فيَخلُصوا.
[13] والَّذينَ على الصَّخْرِ هُمُ الَّذينَ إِذا سَمِعوا الكَلِمة تَقبَّلوها فَرِحين، ولٰكِن لا أَصلَ لَهم، فإِنَّما يؤمِنونَ إِلى حين، وعِندَ التَّجرِبَةِ يَرتَدُّون.
[14] والَّذي وَقَعَ في الشَّوكِ يُمَثِّلُ أُولٰئِكَ الَّذينَ يَسمَعون، فيَكونُ لَهم مِنَ الهُمومِ والغِنى ومَلَذَّاتِ الحَياةِ الدُّنيا ما يَخنُقُهم في الطَّريق، فَلا يُدرِكُ لَهم ثَمَر.
[15] وأَمَّا الَّذي في الأَرضِ الطَّيِّبَة فَيُمَثِّلُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ بِقَلبٍ طَيِّبٍ كَريم ويَحفَظونَها، فَيُثمِرونَ بِثَباتِهم.
[16] «ما من أَحدٍ يُوقِدُ سِراجًا ويَحجُبُه بِوِعاءٍ أَو يَضَعُه تَحتَ سَرير، بل يَضَعُه على مَنارَة لِيَستَضيءَ به الدَّاخِلون.
[17] فما مِن خَفِيٍّ إِلاَّ سَيُظهَر، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَمُ ويُعلَن.
[18] فتَنَبَّهوا كَيفَ تَسمَعون! لأَنَّ مَن كانَ لَه شَيءٌ، يُعطى، ومَن لَيسَ لَه شَيءٌ، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي يَظُنُّه لَه».
[19] وجاءَت إِلَيهِ أُمُّه وإِخوَتُه، فلَم يَستَطيعوا الوُصُولَ إِلَيه لِكَثرَةِ الزِّحام.
[20] فقيلَ له: «إِنَّ أُمَّكَ وإِخوتَكَ واقِفونَ في خارِجِ الدَّارِ يُريدونَ أَن يَروكَ».
[21] فأَجابَهم: «إِنَّ أُمِّي وإِخوَتي هُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ كَلِمَةَ اللهِ ويَعمَلونَ بِها».
[22] وفي أَحَدِ الأَيَّام رَكِبَ سَفينَةً هو وتَلاميذُه، فقالَ لَهم: «لِنَعْبُرْ إِلى شاطِئِ البُحَيرَةِ المُقابِل». فَأَقلَعوا.
[23] وبَينَما هُم سائِرونَ نامَ يَسوع. فَهَبَّت على البُحَيرَةِ عاصِفَةٌ فكادَ الماءُ يَغمُرُهم، وأَصبحوا على خَطَر.
[24] فدنَوا مِنه فأَيقَظوهُ وقالوا: «يا مُعَلِّم! يا مُعَلِّم! لَقَد هَلَكْنا». فَاستَيقَظَ وزجَرَ الرِّيحَ والمَوج، فَسَكَنا وعادَ الهُدوء.
[25] فقالَ لَهم: «أَينَ إِيمانُكُم؟» فخافوا وتَعجَّبوا، وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «مَن تُرى هٰذا حتَّى الرِّياحُ والأَمواجُ يَأمُرُها فتُطيعُه؟».
[26] ثُمَّ أَرسَوا في ناحِيَةِ الجَرجَسِيِّين، وهيَ تُقابِلُ الشَّاطِئَ الجَليليّ.
[27] ولمَّا نَزَلَ إِلى البَرّ، تَلَقَّاهُ رَجُلٌ مِنَ المَدينَة بِه مَسٌّ مِنَ الشَّياطين. ولَم يَكُن يَلبَسُ ثَوبًا مِن زَمَنٍ طَويل، ولا يأوي إِلى بَيت، بَل إِلى القُبور.
[28] فلَمَّا رأَى يسوع، أَخَذَ يَصرُخ، ثُمَّ ٱرتَمى على قَدَمَيهِ وقالَ بِأَعلى صَوتِه: «ما لي ولَكَ يا يَسوعَ ٱبنَ اللهِ العَلِيّ؟ أَسأَلُكَ أَلاَّ تُعَذِّبَني».
[29] لأَنَّه أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَن يَخرُجَ مِنَ الرَّجُل. وكثيرًا ما ٱستَحوَذَ علَيه، فكانَ يُحفَظُ مُكَبَّلاً بِالسَّلاسِلِ والقُيود، فيُحَطِّمُ الرُّبُطَ ويَسوقُه الشَّيطانُ إِلى البَراري.
[30] فسأَلَه يسوع: «ما ٱسمُكَ؟» قال: «جَيش» لأَنَّ كثيرًا مِنَ الشَّياطينِ كانوا قد دَخَلوا فيه.
[31] فسَأَلوه أَلاَّ يَأمُرَهم بِالذَّهابِ إلى الهاوِيَة.
[32] وكانَ يَرعى هُناكَ في الجَبَلِ قَطيعٌ كَبيرٌ مِن الخَنازير، فسأَلوه أَن يَأذَنَ لَهم بِالدُّخولِ فيها، فأَذِنَ لَهم.
[33] فخَرَجَ الشَّياطينُ مِنَ الرَّجُلِ ودَخَلوا في الخَنازير، فوَثَبَ القَطيعُ مِنَ الجُرُفِ إِلى البُحَيرَةِ فغَرِق.
[34] فلَمَّا رأَى الرُّعاةُ ما جرى، هَرَبوا ونَقَلوا الخَبَرَ إِلى المَدينةِ والمَزارِع.
[35] فخَرَجَ النَّاسُ لِيَرَوا ما جَرى. وجاؤوا إِلى يسوع، فوجَدوا الرَّجُلَ الَّذي خَرَجَ مِنهُ الشَّياطينُ جالِسًا عِندَ قَدَمَي يَسوع، لابِسًا، صَحيحَ العَقْل، فخافوا.
[36] فأَخبَرَهُمُ الشُّهودُ كَيفَ نَجا المَمْسوس.
[37] فسأَلَه أَهلُ ناحِيَةِ الجَرجَسِيِّينَ كُلُّهم أَن يَنصَرِفَ عَنهُم، لِما نالَهم مِنَ الخَوفِ الشَّديد. فَرَكِبَ السَّفينَةَ وَرَجَعَ مِن حَيْثُ أَتى.
[38] فَسأَلَه الرَّجُلُ الَّذي خَرَجَ مِنهُ الشَّياطينُ أَن يَصحَبَه، فصَرَفَه يسوعُ قال:
[39] «إِرجِعْ إِلى بَيتِكَ وحَدِّثْ بِكُلِّ ما صَنَعَ اللهُ إِلَيكَ». فمَضى يُنادي في المَدينَةِ كُلِّها بِكُلِّ ما صَنَعَ يسوعُ إِلَيه.
[40] ولَمَّا رَجَعَ يسوع، رَحَّبَ بِه الجَمعُ لأَنَّهُم كانوا كُلُّهُم يَنتَظِرونَه.
[41] وإِذا بِرَجُلٍ ٱسمُه يائيرس، وهو رَئيسُ المَجمَع، قَد جاءَ فَٱرتَمَى على قَدَمَيْ يَسوع، وسأَلَه أَن يَأتيَ بَيته
[42] لأَنَّ لَه ٱبنةً وحيدةً في نَحوِ الثَّانِيَةَ عَشرَةَ مِن عُمرِها، قد أَشرَفَت على المَوت. وبَينَما هُوَ ذاهِب، كانَتِ الجُموعُ تَزحَمُه حتَّى تَكادُ أَن تَخنُقَه.
[43] وكانَت هُناكَ ٱمرأَةٌ مَنزوفَةٌ مُنذُ ٱثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، وكانَت قد أَنفَقَت جَميعَ ما عِندَها على الأَطِبَّاء، فلَم يَستَطِعْ أَحَدٌ مِنهُم أَن يَشفِيَها.
[44] فدَنَت مِن خَلْفُ ولَمَست هُدْبَ رِدائِه، فوقَفَ نَزْفُ دَمِها مِن وَقتِه.
[45] فقالَ يسوع: «مَن لَمَسَني؟» فلمَّا أَنكَروا كُلُّهم، قالَ بُطرُس: «يا مُعَلِّم، الجُموعُ تَزحَمُكَ وتُضايِقُكَ!»
[46] فقالَ يسوع: «قد لَمَسَني أَحَدُهم، لأَنِّي شَعَرتُ بِقُوَّةٍ خَرَجَت مِنِّي».
[47] فلمَّا رَأَتِ المَرأَةُ أَنَّ أَمرَها لم يَخْفَ علَيه، جاءَت راجِفَةً فٱرتَمَت على قَدَمَيه، وذَكَرَت أَمامَ الشَّعبِ كُلِّه لِماذا لَمَسَتهُ وكيفَ بَرِئَت مِن وَقتِها.
[48] فقالَ لها: «يا ٱبنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فٱذهَبي بِسَلام».
[49] وبَينَما هو يَتكلَّم، جاءَ أَحَدٌ مِن عِندِ رَئيسِ المَجمَعِ فقال: «إِبْنَتُكَ ماتَت، فلا تُزعِجِ المُعَلِّم».
[50] فسَمِعَ يسوعُ فأَجابَه: «لا تَخَفْ، آمِنْ فَقَط تَخلُصِ ٱبنَتُكَ».
[51] ولَمَّا وصَلَ إِلى البَيت، لم يَدَعْ أَحَدًا يَدخُلُ معَه إِلاَّ بُطرُسَ ويوحَنَّا ويَعقوبَ وأَبا الصَّبِيَّةِ وأُمَّها.
[52] وكانَ جَميعُ النَّاسِ يَبكونَ ويَنوحونَ علَيها. فقالَ: «لا تَبْكوا، لم تَمُتْ، إِنَّما هي نائمة».
[53] فضَحِكوا مِنه، لِعِلْمِهِم بِأَنَّها ماتَت.
[54] أَمَّا هو، فَأَخَذَ بِيَدِها، وصاحَ بِها: «يا صَبِيَّة، قومي!»
[55] فرُدَّتِ الرُّوحُ إِلَيها وقامَت مِن وَقتِها. فأَمَر بِأَن تُطعَم.
[56] فدَهِشَ أَبَواها، فأَوصاهُما أَلاَّ يُخبِرا أَحَدًا بِما جَرَى.