< العبرانيين 9

Listen to this chapter • 3 min
[1] فالعَهْدُ الأَوَّلُ أَيضًا كانَت له أَحكامُ العِبادَةِ والقُدْسُ الأَرْضيّ.
[2] فقَد نُصِبَت خَيمَةٌ هي الخَيمَةُ الأُولى، وكانَت فيها المَنارَةُ والمائِدَةُ والخُبزُ المُقَدَّس، ويُقالُ لَها القُدْس.
[3] وكانَ وَراءَ الحِجابِ الثَّاني الخَيمَةُ الَّتي يُقالُ لَها قُدْسُ الأَقْداس،
[4] وفيها المَوقِدُ الذَّهَبِيُّ لِلبَخور وتابوتُ العَهْدِ وكُلُّه مُغَشًّى بِالذَّهَب، وفيه وِعاءٌ ذَهَبِيٌّ يَحتَوي المَنَّ وعَصا هارونَ الَّتي أَورَقَت ولَوحَيِ العَهْد.
[5] ومِن فَوقِه كَروبا المَجْدِ يُظَلِّلانِ غِطاءَ الكَفَّارَة. ولَيسَ هُنا مَقامُ تَفْصيلِ الكَلامِ على جَميعِ ذٰلِك.
[6] ذاكَ كُلُّه على هٰذا التَّرْتيب، فالكَهَنَةُ يَدخُلونَ الخَيمَةَ الأُولى كُلَّ حين ويَقومونَ بِشَعائِرِ العِبادَة.
[7] وأَمَّا الخَيمَةُ الأُخْرى فإِنَّ عَظيمَ الكَهَنَةِ وَحدَه يَدخُلُها مَرَّةً في السَّنة، ولا يَدخُلُها بِلا دَمٍ، الدَّمِ الَّذي يُقَرِّبُه عن مَجاهِلِه ومَجاهِلِ شَعْبِه.
[8] وبِذٰلِك يُشيرُ الرُّوحُ القُدُسُ إِلى أَنَّ طَريقَ القُدْسِ لم يُكْشَفْ عَنه ما دامَتِ الخَيمَةُ الأُولى.
[9] وهٰذا رَمْزٌ إِلى الوَقْتِ الحاضِر، ففيه تُقَرَّبُ قَرابينُ وذَبائِحُ لَيسَ بِوُسْعِها أَن تَجعَلَ مَن يَقومُ بِالشَّعائِرِ كامِلاً مِن جِهَةِ الضَّمير:
[10] فهي تَقتَصِرُ على المَآكِلِ والمَشارِبِ ومُختَلِفِ الوُضوء، إِنَّها أَحْكامٌ بشَرِيَّةٌ فُرِضَت إِلى وَقْتِ الإِصْلاح.
[11] أَمَّا المسيح فقَد جاءَ عَظيمَ كَهَنَةٍ لِلخَيراتِ المُستَقْبَلَة، ومِن خِلالِ خَيمَةٍ أَكبَرَ وأَفضَلَ لم تَصنَعْها الأَيْدي، أَي أَنَّها لَيسَت مِن هٰذِه الخَليقَة،
[12] دَخَلَ القُدْسَ مَرَّةً واحِدَة، لا بِدَم التُّيوسِ والعُجول، بل بِدَمِه، فحَصَلَ على فِداءٍ أَبَدِيّ.
[13] فإِذا كانَ دَمُ التُّيوسِ والثِّيرانِ ورَشُّ رَمادِ العِجْلَةِ يُقَدِّسانِ المُنَجَّسينَ لِتَطهُرَ أَجْسادُهم،
[14] فما أَولى دَمَ المسيحِ، الَّذي قَرَّبَ نَفْسَه إِلى اللهِ بِروحٍ أَزَلِيٍّ قُرْبانًا لا عَيبَ فيه، أَن يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعْبُدَ اللهَ الحَيّ!
[15] لِذٰلِك هو وَسيطٌ لِعَهْدٍ جَديد، لِوَصِيَّةٍ جَديدة، حَتَّى إِذا ماتَ فِداءً لِلمَعاصِي المُرْتَكَبَةِ في العَهْدِ الأَوَّل، نالَ المَدعُوُّونَ الميراثَ الأَبَدِيَّ المَوعود،
[16] لأَنَّه حَيثُ تَكونُ الوَصِيَّة فلا بُدَّ أَن يَثبُتَ مَوتُ المُوصي.
[17] فالوَصِيَّةُ لا تَصِحُّ إِلاَّ بَعدَ المَوت، لأَنَّه لا يُعمَلُ بِها ما دامَ المُوصي حَيًّا.
[18] وعلى ذٰلِكَ فإِنَّ العَهْدَ الأَوَّلَ لم يُبرَمْ بِغَيرِ دَم،
[19] فإِنَّ موسى، بَعدَما تَلا على مَسامِعِ الشَّعْبِ جَميعَ الوَصايا كَما هي في الشَّريعَة، أَخَذَ دَمَ العُجولِ والتُّيوس، مع ماءٍ وصُوفٍ قِرْمِزِيٍّ وزُوفى، ورَشَّه على السِّفْرِ عَينِه وعلى الشَّعْبِ كُلِّه
[20] وقال: «هُوَذا دَمُ العَهْدِ الَّذي عَهِدَ اللهُ فيه إِلَيكم».
[21] والخَيمَةُ وجَميعُ أَدَواتِ العِبادَةِ رَشَّها كذٰلك بِالدَّم.
[22] هٰذا ويَكادُ بِالدَّمِ يُطَهَّرُ كُلُّ شَيءٍ بِحَسَبِ الشَّريعَة، وما مِن مَغفِرَةٍ بِغَيرِ إِراقَةِ دَم.
[23] فإِذا كانَت صُوَرُ الأُمورِ السَّماوِيَّة لا بُدَّ مِن تَطْهيرِها على هٰذا النَّحْو، فلا بُدَّ مِن تَطْهيرِ الأُمورِ السَّماوِيَّةِ نَفْسِها بِذَبائِحَ أَفضَل،
[24] لأَنَّ المسيحَ لم يَدخُلْ قُدْسًا صَنَعَته الأَيدي رَسمًا لِلقُدْسِ الحَقيقِيّ، بل دَخَلَ السَّماءَ عَيْنَها لِيَمثُلَ الآنَ أَمامَ وَجهِ اللهِ مِن أَجْلِنا،
[25] لا لِيُقَرِّبَ نَفْسَه مِرارًا كَثيرةً كما يَدخُلُ عَظيمُ الكَهَنَةِ القُدْسَ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمٍ غَيرِ دَمِه.
[26] ولَو كانَ ذٰلِكَ، لَكانَ علَيه أَن يَتَأَلَّمَ مِرارًا كَثيرَةً مُنْذُ إِنْشاءِ العالَم، في حينِ أَنَّه لم يَظهَرْ إِلاَّ مَرَّةً واحِدَةً في نِهايَةِ العالَم لِيُزيلَ الخَطيئَةَ بِذبيحَةِ نَفْسِه.
[27] وكَما أَنَّه كُتِبَ على النَّاسِ أَن يَموتوا مَرَّةً واحِدة، وبَعدَ ذاكَ يَومُ الدَّينونة،
[28] فكَذٰلِكَ المسيحُ قُرِّبَ مَرَّةً واحِدة لِيُزيلَ خَطايا جَماعَةِ النَّاس. وسيَظهَرُ ثانِيَة، بِمَعزِلٍ عنِ الخَطيئَة، لِلَّذينَ يَنتَظِرونَه لِلخَلاص.